كان يا مكان في قديم الزمان بنت جميلة جداً، عيناها تلمعان، وشفتاها ذات لون أحمر، وينزل شعرها على ظهرها مثل نهر من الفحم، ولها جسم حلو، إضافة إلى ذلك كانت ذكية، تتكلم لغات مختلفة، وفنانة ممتازة، تعزف موسيقى بشكل رائع، كانت تعرف كل الكتب المقدسة، وإذا كانت هذه الصفات غير كافية، فقد كانت ابنه الملك، فهي محظوظة، بعض البنات لهن حظ كبير.
أراد الكثير من الأمراء أن يتزوجوا الأميرة التي تمتلك كل هذه الصفات والمواهب، وتوجهوا إلى الملك وقدموا له الهدايا الكبيرة والكثيرة، وللحقيقة لم تعر الأميرة اهتماما للرجال، أحيانا كانت تشرب معهم كوباً من الشاي، وأحيانا تتمشى في الحديقة معهم، وفي أغلب الأوقات تنظر إليهم من خلال الستائر وتقول لهم: ليس اليوم، لا أريد مقابلة أحد.
في يوم من الأيام رأى الملك شعرة بيضاء في مفرقه، ولاحظ التجاعيد الكثيرة في وجهه، تضايق الملك بسبب عدم وجود حفيد له. وقرر أن يطلب من ابتنه بأن تفكر بالأمر وتقبل بالزواج.
وذات يوم ذهب الملك عند ابنته وقال لها: ألا تفكرين في الزواج؟ فتضايقت الأميرة لأن والدها لم يكن يتدخل في شؤونها، وقد اعتادت الأميرة على أن تأخذ القرار الذي تريده، ففكرت كثيرا، وقالت: سأفكر في الأمر، أعطني ثلاثة أيام. وذهبت الأميرة مع صديقاتها، ولا أحد يعرف أين ذهبت، يمكن أن تكون قد ذهبت إلى جدول الماء ونامت، أو ذهبت لتأكل البوظة. على كل حال بعد ثلاثة أيام رجعت إلى والدها وطلبت منه أن يقترب من النافذة، وقالت له: هل ترى تلك التلة البعيدة هناك؟ وطلبت منه أن يبني لها قلعة حتى تعيش فيها، وأبلغته أنها لا تريد تتزوج، وأنها تحب أن تعيش وحدها. تضايق الأب ولكنه كان يحب ابتنه كثيرا ويحرمها ويحترم قرارها. فقام بعمل طريق تصل إلى تلك التلة وبنى عليها قلعة كبير هناك. عاشت الأميرة، ونقلت مكتبها وأدواتها وعاشت مع قليل من الخدم، وبدأت تدرس الهندسة وتبني تقنيات، وقامت بقراءة الكتب المقدسة. أميرة حلوة وتعيش وحدها في قلعة كبيرة، هذا، بالطبع، جذب الرجال نحوها بشكل كبير.
ويوماً بعد يوم أصبحت صفوف من الرجال تذهب إلى الملك وتهديه أغلى وأثمن الهدايا من أجل أن يتزوجوا ابنته، وبدلاً من أن تقل الصفوف ازدادت، فتضايق الملك وقرر أن يرجع إلى ابتنه ويطلب منها أن تغير رأيها، ورجاها أن ترجع عن قرارها، ولكن الأميرة تضايقت لأن والدها كان قد وعدها بأن يحترم القرار الذي تتخذه. وقالت لوالدها: سأعطيهم فرصة أخرى. استخدمت كل اختراعاتها وبنت خمسة محاربين ميكانيكيين ووضعهم على الطريق التي توصل إلى البرج الذي تعيش فيه في القلعة، وعملت بابا سريا للبرج وأغلقته، وذهبت وأبلغت والدها عن قبولها للزواج بالشخص الذي يتمكن من اجتياز المحاربين والدخول من الباب والإجابة عن الأسئلة التي ستسأله إيّاها.
وطبعا كانت الأميرة قد قررت أن لا تسهل الأمور، فقامت بتعليق قطعة طويلة من الحرير، واستخدمت كل مهاراتها التي تصل إلى مهارات الأستاذ، ورسمت عليها صورة لنفسها وعلقتها في وسط الساحة في البلدة.
أميرة جميلة في قلعة، لكن هل يعقل أن تكون تلك الأميرة الجميلة على هذا القدر من التحدّي، ودون أن نعرف كان هناك شاب جميل حمل السيف ومشى خطوة خطوة حتى وصل للمحارب الميكانيكي الأول فاعترضها المحارب الميكانيكي، وبدأ بالضرب ودارت معركة حتى مات الشاب، فأخذت الأميرة الرأس وعلقته على قماش الحرير حتى يرى الشباب الرأس ولا يقومون بالمحاولة.
ومرت الأيام وصار حول صورتها المرسومة على الحرير الرأس الثاني والثالث والرابع، وحينما صار ثلاثة أرباع الصورة محاطاً بالرؤوس، وصل شاب إلى المدينة ورأى صورة الأميرة، فوقع في حبها، ولم يقدر أن يبعد عينيه عن الصورة، واشتعل قلبه من حرارة الحب كالشمس في الظهيرة، وحينما بدأت الشمس في المغيب، وأصبح الجو بارداً ذهب ليسأل عن قصة الأميرة، فحكى الناس له الحكاية كاملة.
كان هذا الشاب كثير الأسفار، وكان قد التقى مرّة برجل حكيم، فقرر أن يرجع عند هذا الرجل ليستشيره. حكى الرجل الحكيم للشاب عن حيل النساء وحكمة الرجال، ومكث الشاب عند الرجل الحكيم سنة كاملة، يتعلم منه الحكمة، وقبل أن يغادر، أعطاه الرجل الحكيم الكثير من الهدايا، وقال له: "يمكنك أن تستخدم هذه الهدايا في الوقت المناسب".
حينما رجع الشاب إلى المدينة كانت صورة الأميرة قد أحيطت بالكامل برؤوس الرجال الذين غامروا لخطبتها، فازداد التحدي في نفسه وخلع حذاءه وأخذ السيف، وتسلح بحبه للأميرة، وتوجه إلى المحارب الأول ومشى رويداً، خطوة بعد خطوة، طوال الوقت يسمع وينظر من خلال عينيه، تحرك يساراً ثم يميناً، واستدار أمام التمثال الأول، وضربه، ثم الثاني، فالثالث، والرابع، والخامس، ولم يكن هناك تمثال سادس، ومشى حتى وصل إلى البرج حيث كانت خادمة الأميرة تنظر وتراقب من بعيد، فذهبت إلى الأميرة وأخبرتها أن هناك شخصاً قد اجتاز المحاربين، وهو يقف عند البرج. تركت الأميرة كل عملها، ونظرت من خلال النافذة وقالت في نفسها: مظهره الخارجي لا بأس به، ولكنها كانت متأكدة أنه لا يمكن أن يصل احد إلى الباب السري، وحينما رجعت إلى عملها سمعت صوت طبل فنظرت من النافذة، ورأت أن الشاب يدق الطبل ويدور حول البرج، من مكان إلى آخر، فلحقته الأميرة بنظراتها من نافذة أخرى، وفي لحظة ما حينما كانت تنظر إليه، رآها فقررت أن ترجع إلى عملها. كان الشاب يستمع إلى صدى دقات الطبل، فاكتشف الباب السرّي للبرج، ثم أخرج سكينه وحركه فوجد فتحة في الباب، فتح الباب بسكينه ودخل. رأته الخادمة وأخبرته الأميرة أن الشاب في انتظارها. في هذه اللحظة قامت الأميرة بتمشيط شعرها لتتأكد من أنها تبدو جميلة.
كان من بين الأشياء الموجودة عند الأميرة مخدة صغيرة مطرزة باللؤلؤ، أخذت الأميرة حبة من اللؤلؤ وخرجت من الغرفة، ونظرت إلى نفسها لترى أن كل شيء على ما يرام. في هذه اللحظة كان الشاب في الداخل، رآها ورأته فمدت يدها نحوه وقالت له: "ماذا تعمل بهذه؟" وأعطته حبة اللؤلؤ، استمر في النظر إليها وقال: " من الممكن أن أعمل الشيء الكثير"، واستدار ورجع.
كان من شروطها أن يكون هذا الشخص الذي سترتبط به ذكياً، ذهب الشاب إلى المدينة، وبحث بين الهدايا الموجودة معه، وأخرج لؤلؤة شبيهة بلؤلؤة الأميرة، وعاد إلى القلعة، وأعطاها إياها، فقال لها هذه إجابتي على سؤالك.
فهمت الأميرة وابتسمت، وقد فهمت أن حبها سيقابل بحب لا يقل عنه. أخذت الأميرة اللؤلؤة ووضعتها في الهاون وطحنتها، وقالت للشاب: "ماذا تفعل بهذا؟" فطلب كأساً من الحليب، فجيء له به، فوضع مسحوق اللؤلؤ فيه وشرب، وطلب من الأميرة أن تشرب، فشربت، فرأى رقبتها البيضاء ورأى نبضها يدق في عروقها، ثم جاء بما رسب من مسحوق اللؤلؤة، ووضعه على ورقة، وحينما جف، أحضر ميزاناً ووضع مسحوق اللؤلؤ في كفة الميزان، واللؤلؤة التي لم تسحق في الكفة الأخرى، فتساوت كفّتا الميزان، فهمت الأميرة أن الحب الذي بريد هي تحطيمه بكبريائها لن ينقض شيئاً، وهكذا دق قلبها، عند ذلك أخذت الأميرة خاتما ووضعته في يده، ونظر الشاب عميقاً في عينيها الجميلتين، وتراجع إلى الخلف. فوجئت الأميرة حينها أن الشاب رجع إلى المدينة، وراح يبحث في الصندوق الموجود عنده فوجد أجمل لؤلؤة يمكن أن تتخيلوها، كانت لؤلؤة خالية من أي عيب، كانت مثله تماماً، رجع الشاب إلى الأميرة وأخذ يدها ووضع اللؤلؤة فيها، وقال لها: "ماذا تعملين بهذه؟" فابتسمت الأميرة وقالت: "أعمل الكثير منها، ذهبت إلى الخزانة، وأخذت تبحث عن لؤلؤة كاملة وممتازة، وكانت تعرف أنها موجودة، وحينما وجدتها نظرت إلى اللؤلؤتين وذهبت إلى الشاب، ولكنه أخذ اللؤلؤتين، وتركها وخرج. كانت يريد أن يشتري خرزة زرقاء، ليصنع منها عقداً، ويضع اللؤلؤتين حول الخرزة حتى تحميهم من الحسد، ورجع إلى الأميرة بالعقد، فرفعت الأميرة بشعرها وألبسها العقد، أقدمت الأميرة عليه وابتسمت، وأقيم حفل الزواج في أسبوع كامل مليء بالمسرات وبأشهى المأكولات وبأهل الرقص والأغاني، وبرواة القصص أمثالنا.